سلام الله عليكم ورحمته وبركاته
الحمد لله رب العالمين، وبه نستعين على أمور الدنيا والدين. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد،
فإن وقوفي أمام حضراتكم لشرف عظيم لي ولأمثالي تدريبا لإلقاء حديث موجز حول الإسراء والمعراج. وفي مثل هذه المناسبة نعيد ذاكرتنا من جديد مع الذكرى العطرة وبالمحتفى به صلى الله عليه وسلم.
والدي الكرام، أساتذتي الأجلاء، إخواني وزملائي الأحباء …
يقول الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم، وهو أصدق القائلين، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير(1). [سورة الإسراء، الآية 1]
إنا لنقف مع هذه الآية الكريمة لنعيش قليلا لدى الحادثين الجليلين: الإسراء والمعراج لنستخلص منهما أمورا هي غاية في العظة والاعتبار:
إن هاتين الرحلتين الرحلة الأرضية (الإسراء) والرحلة السماوية (المعراج) حدثتا في ليلة واحدة قبل الهجرة بسنة، ليمحص الله المؤمنين، ويبين منهم صادق الإيمان ومن في قلبه منهم مرض، فيكون الأول خليقا بصحبة رسوله الأعظم إلى دار الهجرة، وإنشاء دولة جديدة تكون العقيدة فيها هي الأساس.
إن الله أطلع رسوله على ما في هذا الكون أرضية وسماوية من العظمة والجلال، ليكون ذلك درسا عمليا لتعليم رسوله بالمشاهدة والنظر. فقد كفل له ربه ذلك بما أراه من آياته الكبرى وما أطلعه عليه من مشاهدة تلك العوالم التي لا تصل أذهاننا إلى إدراك كنهها إلا بضرب من التخيل والتوهم. فأنى لنا أن نصل إلى ذلك وقد حبس عنا الكثير من العلم ولم نؤت إلا قليله وما أوتيتم من العلم إلا قليلا.
أساتذتي الأجلاء والحضور الكرام …
إن ما يجد كل يوم من ضروب المخترعات، والتوسل بها إلى طي المسافات، بوسائل الطيارات، وقطع المحيطات في قليل الساعات، من قارة إلى قارة، ومن قطر إلى قطر، ليجعلنا نعتقد أن ما جاء في وصف هاتين الرحلتين من الأمور الميسورة التي ليست بالعزيزة أو الأمور المستحيلة.
إن روحانية الأنبياء تتغلب على كثافة أجسامهم. وإن لروحانية الأنبياء والملائكة أحكاما لم يصل العقل البشري إلى تحديدها وإبداء الرأي فيها، وإنها لفوق مستوى إدراكه، فأجدر بنا ألا نطيل البحث فيها ولا التعمق في استقصاء آثارها.
إن ما جاء في الحديث من أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى إماما بالأنبياء في عالم السموات ليرشد إلى أن محمدا صلى الله عليه وسلم جاء بشريعة ختمت الشرائع السالفة كلها، وأئمتها ومن أوتوها ألقوا الزعامة إليه، وصاروا مؤتمين به.
إن في هذا مغزى جديرا بطويل التأمل والتفكير، وهو أن جميع الأنبياء كانوا في وفاق ووئام في الملكوت الأعلى بالقرب من ربهم الذي أرسلهم – أفلا يجدر بمتبعيهم أن يقتفوا سنة رسلهم، وأن يجعلوا أمرهم بينهم سلما لا حربا، وأن يجعلوا الشريعة الأخيرة، والقانون الذي جاءت به هو الشريعة التي يقضى بها بين الناس، كما هو المتبع في القوانين الوضعية، فإن الذي يجب العمل به هو القانون الأخير، وهو يلغي جميع ما سبقه.
الحضور الكرام وَالْمُحْتَفُونَ بِذِكْرَى هَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ …
هذا، ونختم هذه المحاضرة راجين الله سبحانه وتعالى أن يوحد صفوف المسلمين ويجمع شملهم إعلاء لكلمة الله العليا وكلمة الذين كفروا السفلى. أعاننا الله وإياكم في تطبيق شريعتنا الغراء، وهي سبيل تقدمنا وتفوقنا على الأمة قاطبة، وما لنا من سبيل. اللهم يا ربنا تقبل دعاءنا …
هدانا الله وإياكم أجمعين. وبالله التوفيق والسعادة…
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته